زهراء المتغوي

غَريبٌ أَمْرُ دُنْيَانا ..
و أَغْرَبُ منهُ هذا الحبٌّ
يسري في خلايانا ..
يروّضُنا يقولِبنا
يؤدبنا و يَأْمرُنا و ينهانا ..
و مثل الشمع يطفئنا
و يذرونا بليل الهجر كثبانا ..
يعاقبنا بلا ذنب
و يمسح دمعنا – لو شاء – تحنانا …
يباغت صمتَنا حينا
و يخرسنا باسم الحبّ أحيانا ..
ينظّمنا يهندسنا
يبعثر كل ما نهواه في أحلى زوايانا
يجدوِل كلّ ثانية تمرُّ بنا
و ينسى أنّه أصفى مرايانا ..
غريب أمر هذا الحبّ
يملأ نا ثمالاتٍ
و يسرق أجمل اللحظات نشوانا
يقرر كيف يذبحنا
و كيف يكون جزءً من ضحايانا ..
عجيب أمره حقا
يخاصمنا و يبكينا و يجرحنا و يكسرنا
فنهديه تحايانا

إذا قلتَ : “إني أحبُّكِ يا حلوتي”
تلمُّ سَمائي نجيماتِها في دلالٍ
وتمطرُ وعداً جميلاً يموسِقُ وعدا ..
وتخصبُ أرضي زهورا وقمحا وفلاّ ووردا ..
ويكبرُ مني جناحُ الغرور
و يندلقُ الشعرُ منّي
فأقطرُ أقطرُ شهدا ..
إذا قلتَ أنك تشتاقُ لي
تستفيقُ انتشاءاتُ روحي
ويُمنعُ ضوئي من الصرفِ
حين تعانقُ دفءَ الوجودِ ذراعي
وتسكرُ حتَّى الغيوم
وتنضحُ بردا ..
ولو نظرةٌ منك تغسلُ يأسي
يذوبُ الجليد بحسّي
وينطقُ شلاّله في اختيالٍ
يساورُه الوصلُ جزرا ومدّا .
وهمسُكَ
لا لستُ أسطيعُ وصفا
فإني بهمسِك مرساةُ روحيَ تغرقُ
أمتهن العشقَ والوجدَ والتَّيمَ والذوبانَ
ولو ساءلتني الصبابةُ عنك
فلستُ – وربِّ الصبابة – أحسنُ ردّا.
إذا قلتَ :” إني أحبكِ ” تنصت كلّ الفواخت
يضطرب النهر بل يتلبلبُ في شفتي خارج النصِّ
ترعشُ كلُّ العبارات تنثرُ بلّورها للقاء
فيطرقُها الماءُ برقا و رعدا ..
إذا قلتَ لي:” كم أحبّكِ ” يلتاعُ أقصايَ جمرا
و يرقص قلبُ العصافير حبّا و سعدا ..
فما بالُ لو قلتَ لي يا حياتي : “أحبّكِ جدا” ؟!!!

ألا فاحضنينـي ومُـدّي يـدا
و قولي متى نضربُ الموعدا ؟
و رفّي نسيما على خطوتـي
يوزّعني كيف شـاء المـدى
وهزّي بوَصلِـكِ قلب الجَنـى
يســـاقِط من عذقه الخرّدا
ولو بلسـمَ الصُّبـحُ أفيـاءَهُ
فـلازال محـدودبـا أكـمـدا

ذكرتُكِ يـا نبـضَ قيثارتـي
و هل يُطفئ الذكرياتِ الردى ؟
ودوزنتُ بعدك فـي محجري
رثـاء لغـيـرك مــا رُدّدا
و ضجّ اليبابُ علـى سدرتـي
فهل تغمريني بقطر النّـدى ؟
و هل ترجعينَ لعينيْ الكـرى
فقد صـار ناظرُهـا أرمـدا؟
تعوّدت صوتك يغشى دمي
حنانا ، وللمـرء مـا عُـوّدا
و أمـا الأمـاني فأهرقتها
ومن بعد عينيك ضاعت سُدى
و من بيلسان الجوى دمعتـي
أبددهـا عسجـدا عسـجـدا

وروحـي تعـرّش أهـدابها
و قلبي يعاود رجـعَ الصـدى
و أتبع ذكراك في خاطري
كمـا يتبـع الخبـر المبتـدا

أيـا أمّ يا لثغة في فمــي
مداراتهـا تحضن الفـرقـدا
أما كنتِ في خافقـي ضحكـةً
تنـورس إيقاعـه الأجــردا
و إن ذبذبتني دروبُ الرّحـى
أما كنتِ لي الناصح المرشدا؟
ولولاك لـم ترتسـم غايتـي
و لم أعبـد الكامـل الأوحـدا

زرعتِ الحقيقة فـي أضلعـي
و دفء اليقيـن إذا فـنّـدا
و عيناك أطفو على رمشهـا
و تمخر بي في عباب الهـدى
عشقت الأمومةَ مـن نطفتـي
وهمتُ بهـا قبـل أن أولـدا
و هـذا اليـراعُ بشطآنـهـا
و من مـاء قُدّاسهـا عمّـدا
ولولا المخافـةُ مـن بارئـي
لقلـتُ لهـا حـقَّ أن تعبـدا